أصدر المرصد المصري للصحافة والإعلام، تقريره الإحصائي السنوي لعام 2022؛ “انتهاكات الحريات الصحفية والإعلامية”، لتقديم صورة شاملة عن حالة الحريات الصحفية والإعلامية داخل جمهورية مصر العربية خلال العام الحالي 2022.

للاطلاع على نص التقرير اضغط هنـــــــــــــــــا

ويتضمن التقرير أربعة أقسام رئيسية؛ يتناول القسم الأول رصدًا إحصائيًا للانتهاكات التي وقعت بحق الصحفيين/ات والإعلاميين/ات خلال عام 2022 (1 يناير: 31 ديسمبر 2022)، وإجمالًا وثقت المؤسسة خلال عام 2022، 238 حالة انتهاك، ضد الصحفيين/ات والإعلاميين/ات أو المؤسسات التي يعملون بها، بزيادة نسبتها (126%) عن عام 2021 الذي سجلت فيه إجمالي الانتهاكات عدد (105) انتهاكات. ويعد هذا أكثر الأعوام في إجمالي أعداد الانتهاكات خلال الخمس سنوات السابقة، ويشير ذلك إلى تدهور جديد يحدث في مجال الحريات الصحفية والإعلامية في مصر، انعكست آثاره على الصعيد العالمي؛ حيث تراجعت مصر مرتبتين في مؤشر حرية الصحافة والإعلام الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”؛ واحتلت المرتبة (168) عالمًا هذا العام، بعدما كانت في المرتبة (166) عام 2021.

وخلال عام 2022، تعرض الصحفيون/ات والإعلاميون/ات، لانتهاكات متنوعة، والمثير للقلق أن المؤسسات الصحفية والإعلامية باتت تمثل عبئًا وخطرًا على الصحفيين/ات والإعلاميين/ات، وعلى مستقبلهم المهني، وبدلًا من أن تكون تلك المؤسسات درع حماية لهم، أصبحت هي أكثر الفئات المنتهكة لحقوهم؛ حيث سجل انتهاكا الفصل التعسفي وحجب الحقوق المادية نسبة 34.9% من إجمالي الانتهاكات، وجاءَ الانتهاكان في المرتبة الأولى والثالثة من بين إجمالي الانتهاكات، وتصدرت المؤسسات الصحفية/الإعلامية قائمة الفئات الأكثر انتهاكا لحقوق الصحفيين/ات والإعلاميين/ات. وجاءت انتهاكات التعدي بالقول أو التهديد في المرتبة الثانية بنسبة 13.4%، وفي المرتبة الرابعة جاء انتهاك التعرض للضرب، وحجب منصة رقمية بنسبة 6.3% لكل منهما. وشكلت هذه الانتهاكات الخمسة حوالي 61% من إجمالي الانتهاكات، بينما شكلت باقي الانتهاكات 39% من إجمالي الانتهاكات.

وكان الذكور هم الأكثر عرضةً للانتهاك خلال عام 2022؛ حيث تعرضوا إلى 52.5% من إجمالي عدد الانتهاكات، فيما تعرضت الإناث إلى 34.9% من إجمالي عدد الانتهاكات. وكان المحررون الصحفيون الأكثر عرضة للانتهاكات بواقع تعرضهم إلى 46.2% من إجمالي الانتهاكات.

وأشارت الأرقام خلال عام 2022 إلى أن العاملين بوسائل الإعلام الرقمية كانوا الأكثر تعرضًا للانتهاكات، بواقع تعرضهم إلى 65.5% من إجمالي الانتهاكات، وجاءت الانتهاكات ضد العاملين بالمطبوعات الصحفية في المرتبة الثانية بنسبة حوالي 19.3% من إجمالي الانتهاكات.

وكانت وسائل الإعلام المحلية الخاصة هي الأكثر عرضة للانتهاكات؛ حيث تعرضت إلى 84% من إجمالي الانتهاكات. وتصدرت محافظة القاهرة أكثر المحافظات التي وقع فيها أكبر عدد من الانتهاكات بنسبة حوالي 43.3% من إجمالي الانتهاكات، تلتها محافظة الجيزة بنسبة حوالي 42% من إجمالي الانتهاكات.

ويقدم القسم الثاني قراءةً للانتهاكات التي وقعت بحق الصحفيين والإعلاميين خلال عام 2022، فقد تعرض الصحفيون/ات لـ 87% من إجمالي الانتهاكات التي وقعت في المجال الصحفي والإعلامي في مصر، في المقابل تعرض الإعلاميون/ات لـ 13% من إجمالي الانتهاكات. ويرجع ذلك إلى طبيعة عمل الصحفي واحتكاكه الدائم مع الجهات التنفيذية في سبيل تغطية الأحداث، بينما معظم الإعلاميين لا يتعرضون لذلك بسبب طبيعة عملهم التي تكون غالبًا داخل الأستوديو. وبالمقارنة بين الأرباع السنوية المختلفة لعام 2022 وُجِد أن الربع الثالث هو أكثر أرباع هذا العام من حيث عدد الانتهاكات؛ فلقد شهد (89) انتهاكًا، بنسبة حوالي 37.4% من إجمالي عدد الانتهاكات. وبالمقارنة بين السنوات المختلفة كان هذا العام 2022 هو الأكثر من حيث عدد الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون/ات والإعلاميون/ات خلال الأعوام الأربعة السابقة؛ حيث بلغ إجمالي عدد الانتهاكات في هذا العام 238 انتهاكًا، في مقابل 105 انتهاكات عام 2021، و234 انتهاكًا عام 2020، و171 انتهاكًا عام 2019، و 218  انتهاكًا عام 2018.

كما يقدم هذا القسم تحليلًا لأبرز الانتهاكات النوعية خلال عام 2022، فتم الحديث عن انتهاكي “الفصل التعسفي وحجب الحقوق المادية” اللذين احتلا المرتبة الأولى والثالثة من بين الانتهاكات خلال عام 2022، وبلغا نسبة (34.9%) من إجمالي الانتهاكات هذا العام؛ فلقد برز هذا العام استخدام سياسة “الفصل التعسفي” وكذلك “حجب الحقوق المالية”، كأحد السياسات التي تلجأ إليها المؤسسات الصحفية للتخلص من التزاماتها المالية والتخفيف من أزماتها الاقتصادية التي كثرت مع الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ويعد الفصل التعسفي وحجب الحقوق المالية من أقسي الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون/ات نظرًا لزيادتها في الأعوام الأخيرة، ولأنها تصدر عن المؤسسات الصحفية نفسها التي يعمل فيها الصحفيون/ات، والتي من المفترض أن تكون درع حماية لا مصدر انتهاك لحقوقهم، ولأنها تمس الجانب الاقتصادي فإنها تمس كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للصحفي، فبمجرد الفصل التعسفي للصحفي، يجد الصحفي نفسه أمام سيل من المسؤوليات؛ فقد انقطع مصدر دخله، وقلت الموارد التي تكاد تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وأصبح عليه أن يبحث عن عمل جديد في مؤسسة جديدة في ظل قلة فرص العمل في سوق العمل، كما أصبح عليه أن يرفع قضيته أمام محاكم القضاء الإداري للحصول على مستحقاته من المؤسسة التي قامت بفصله تعسفيًا، وكل ذلك مما يلقي على كاهل الصحفيين/ات والإعلاميين/ات همومًا كثيرة. ومن ثم فإن قضية الفصل التعسفي وحجب الحقوق المادية للصحفيين/ات والإعلاميين/ات تحتاج إلى تكثيف كل الجهود لحلها، وحل الأخطار التي تلحق بالصحفيين/ات من جراء وقوعها.

كذلك تم تناول انتهاك حجب المواقع الرقمية الذي حل في المرتبة الرابعة من بين الانتهاكات الأكثر حدوثًا خلال عام 2022، وذلك بنسبة (6.3%) من إجمالي الانتهاكات. ويعتبر حجب المواقع عامة والصحفية خاصةً أحد أبرز الانتهاكات النوعية التي قد تتسبب في إنهاء عمل مواقع صحفية كاملة، لأن هذا الانتهاك يحمل في طياته انتهاكات أخرى، ويتسبب في إشكاليات اقتصادية ومالية تتفاقم مع مرور الوقت، ويزيد من تشريد الصحفيين الذين تُغلق مؤسساتهم، وتنعكس آثار الحجب على العاملين المشتغلين بالصحافة، فبعض المؤسسات الصحفية اضطرت إلى الإغلاق أو تقليل العمالة أو تخفيض رواتب الصحفيين العاملين بها، وهو ما أثر بالسلب على الظروف المعيشية والاجتماعية للصحفيين/ات، وانضمام الكثير منهم إلى صفوف العاطلين عن العمل. كذلك يعد حجب المواقع الإلكترونية إجراءً مخالفًا للمواد (57، 65، 71) من الدستور المصري، وانتهاكًا للمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مصر عام 1967، وكذلك يعتبر انتهاكًا للمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعتبر انتهاكًا للحق في المعرفة وتداول المعلومات، والحريات الإعلامية، ويعد أحد السياسات الممنهجة التي تلجأ إليها الحكومة المصرية كوسيلة للإخفاء المتعمد للبيانات، وعرقلة الانتفاع بالإنترنت، وحد قدرة المؤسسات الصحفية المستقلة والمعارضة على تقديم تغطية صحفية تصل إلى جميع المتابعين بكافة اتجاهاتهم وميولهم السياسية، وتأتي هذه القرارات ضمن صورة كاملة تم رسمها لـ خنق المجال العام، بالتوازي مع إصدار عدد من التشريعات تهدف إلى فرض السيطرة على ما يبث بواسطة وسائل الإعلام المختلفة.

ويتناول القسم الثالث؛ تحليلًا لأهم القرارات التي تم إصدارها من قبل الجهات التنظيمية للعمل الصحفي والإعلامي خلال عام 2022، والمتمثلة في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة، الهيئة الوطنية للإعلام، نقابة الصحفيين، نقابة الإعلاميين، وأخيرًا لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب.

لقد استمر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام خلال عام 2022، في فرض سيطرته على وسائل الإعلام بداية من إصدار أكواد وتوصيات أسماها ضوابط للعمل الإعلامي، ولكنها تمت صياغتها بناءً على أيديولوجيات المجلس وحده دون مشاركة من نقابة الصحفيين، أو الإعلاميين في الصياغة، وعلى الرغم من أهمية هذه اللوائح والأكواد والضوابط في ضبط المشهد الصحفي والإعلامي الذي لابد له من منظم، إلا أن هذه اللوائح والأكواد والضوابط لا تخلو من مواد تنتهك حرية الصحافة والإعلام. كما شهد عام 2022 حجب العديد من المواقع الإلكترونية  لمواقع صحفية أو مؤسسات عاملة في مجال حقوق الإنسان، وأصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارات بحجب “15” موقعًا خلال العام.

وقد أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة عددًا من القرارات الهامة بلغ عددها 17 قرارًا، كان أبرزها إصدار قرار بدمج بعض الصحف القومية، وقرارًا بلائحة الجزاءات وإجراءات التحقيق للعاملين بالهيئة الوطنية للصحافة، فقد أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة يوم 26 مايو 2022، قررت الهيئة دمج مجلتي “الكواكب” و”طبيبك الخاص” في مجلة “حواء، التي تصدر عن مؤسسة دار الهلال، مع إنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار، على أن يتم ذلك اعتباراً من العدد الأول لشهر يونيو، مع احتفاظ العاملين بالإصدارات المشار إليها بكافة وظائفهم وحقوقهم المالية من أجور ومزايا مالية أخرى. وفي 7 أغسطس 2022 أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة، القرار رقم 18 لسنة 2022، والذي نص في المادة الأولى منه على دمج مجلة “لغة العصر” في مجلة “الأهرام الاقتصادي”، الصادرتين عن مؤسسة الأهرام، مع تطوير وتحديث الموقع الإلكتروني للإصدار الجديد. وفي 5 سبتمبر 2022؛ أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة، القرار رقم 22 لسنة 2022 في شأن إصدار لائحة الجزاءات، وإجراءات التحقيق للعاملين بالهيئة الوطنية للصحافة.

في إطار مماثل، يتناول القسم الرابع تحليلًا لأبرز المحطات والمستجدات التي حدثت في المجال الصحفي والإعلامي ولاقت اهتمامًا واسعًا خلال عام 2022، والتي كان أهمها استمرار القبض على الصحفيين/ات والإعلاميين/ات رغم الحوار الوطني؛ فعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، قد أصدر  في النصف الثاني من شهر أبريل 2022-خلال الكلمة التي ألقاها في إفطار الأسرة المصرية- قرارًا بالعفو الرئاسي عن عدد من السجناء من بينهم عدد من الصحفيين والإعلاميين (سجناء الرأي)، ودعوته إلى حوار سياسي وطني مع القوى السياسية الحزبية، والشبابية والنقابية والمدنية، وغيرها دون تمييز أو إقصاء، بهدف الوصول إلى اتفاق حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة المقبلة، لفتح الآفاق أمام التعايش والتوافق بين كل الأطياف. بيد أن الممارسات الواقعية للسلطة التنفيذية تكشف عن تناقض جوهري بين رغبة السلطة في الإصلاح السياسي وبين ممارسات أجهزتها الأمنية على الأرض؛ فقد ‏استمرت الأجهزة الأمنية في ممارساتها المنتهكة للحق في حرية التعبير، دون توقف أو تراجع، ‏أيًّا كانت وسيلة التعبير، ‏طالما كان مضمون التعبير يحمل انتقادات للسياسات الحكومية القائمة ‏في كافة المجالات، أو معلومات لا ترغب السلطات في نشرها.

كذلك استمرت السلطات التنفيذية في تجاهل إصدار قانون يتيح حرية تداول المعلومات في مصر، وذلك على الرغم من النص الدستوري الواضح في دستور 2014، الذي ينص في المادة 68 منه على أن ” المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون”.

وأخيرًا؛ استمرت السلطات القضائية في إصدار قرارات حظر النشر في بعض القضايا التي شكلت قضايا رأي عام، وفق أسباب واهية ومصطلحات فضفاضة؛ وهو ما يتناقض مع المادة 68 من الدستور التي تنص على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون”. وفي إطار ذلك ينكر المرصد المصري للصحافة والإعلام، على السلطات القضائية حقها في قرارات حظر النشر دون إبداء الأسباب التي أدت إلى إصدار هذه القرارات، أو إصدار هذه القرارات بمسببات مطاطة حمالة أوجه كثيرة. ويؤكد المرصد أن قرارات حظر النشر تنتهك حق الجمهور في المعرفة، وحقه في تداول المعلومات، كما أن هذه القرارات تقلل من الشفافية التي يجب أن تتصف بها مؤسسات الدولة لا سيما المؤسسات القضائية، وحق الجمهور في متابعة قضايا شغلته، وأصبحت ليست قضايا فردية بل قضايا رأي عام.