بعد أكثر من عام ونصف على صدور قانون تنظيم الصحافة رقم 180 لسنة 2018، أصدر رئيس مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون في شهر فبراير الماضي.

ونشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 7 الصادر يوم الأحد الموافق 23 فبراير 2020، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 418 لسنة 2020 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر بالقانون رقم 180 لسنة 2018. 1

وكان قانون تنظيم الصحافة، قد أعاد هيكلة المؤسسات الرسمية للصحافة والإعلام واستحدث عدة نصوص منظمة للعمل الصحفي والإعلامي، وخلال مدة عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون ترقبت الأوساط الصحفية والإعلامية البنود الخاصة بتطبيق العديد من نصوص القانون بالإضافة لتوفيق المؤسسات الصحفية والإعلامية أوضاعها وفقًا للائحة التنفيذية. ومن المتعارف عليه؛ أن اللائحة التنفيذية هي آلية التشريع الفرعى بعد الدستور والقانون، وتضم اللائحة التنفيذية القواعد التفصيلية اللازمة لتنفيذ القوانين الصادرة عن مجلس النواب دون تعديل فيه أو حذف أو إضافة نصوص جديدة عليه، ويجب أن تلتزم مواد اللائحة بالقانون، الذي بدوره لا يجوز أن يخالف مبادئ الدستور، وألا ينتقص من حقوق المواطنين المنصوص عليها في الدستور المصري الصادر عام 2014.

واشتباكًا مع اللائحة المشار إليها، يقدم المرصد المصري للصحافة والإعلام، قراءة تحليلية للائحة التنفيذية للقانون وأثر بنودها التنظيمية على المجال العام وحرية الصحافة والإعلام.

وعند قراءة اللائحة، نجد أن المادة (3) من اللائحة هي ذاتها المادة 41 من القانون رقم 180 لسنة 2018، حيث تنص: “على المجلس الأعلى إعلان مُقدم الإخطار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول باكتمال بياناته أو باستيفاء البيانات الناقصة، وذلك خلال ثلاثين يومًا من تاريخ ورود الإخطار إليه، وإذا لم يقم المجلس الأعلى بالرد خلال المدة المشار إليها أعتبر الإخطار مكتملاً. وعلى مقدم الإخطار موافاة المجلس الأعلى بالبيانات المطلوبة خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلانه باستيفائها، وإلا اعتبر الإخطار كأن لم يكن، وفى جميع الأحوال، لا يجوز إصدار الصحيفة أو إنشاء الموقع الإلكترونى قبل استيفاء كامل بيانات الإخطار”.

كما أن المادة (4) من اللائحة هي “صدى” للمادة 42 من القانون،إذ تنص على أنه: “إذا لم تصدر الصحيفة خلال الثلاثة أشهر التالية للإخطار، أو إذا لم تصدر بانتظام خلال ستة أشهر، يزول الأثر القانونى للإخطار. ويعد صدور الصحيفة غير منتظم إذا لم يصدر منها نصف العدد المفروض صدوره أصلًا خلال مدة ستة أشهر من تاريخ الإخطار بدون عذر يقبله المجلس الأعلى، أو إذا كانت مدة الاحتجاب خلال هذه المدة أطول من مدة توالى الصدور. ويكون إثبات عدم انتظام صدور الجريدة بقرار من المجلس الأعلى يعلن إلى صاحب الشأن, وذلك كله على النحو الذى تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون”.

بينما في اللائحة تم إضافة فقرة فيما يتعلق بعدم انتظام صدور الصحيفة حيث نص على: “عدم بث الصحيفة الإلكترونية وتحديث محتواها خلال الستة أشهر التالية للإخطار”. وفي هذا الشأن توجد ملاحظة جوهرية حيث نص المشرع سواء في القانون أو في اللائحة التنفيذية على أن يعتبر إصدار الصحيفة غير منتظم في حالة عدم إصدار نصف العدد المفروض إصداره أصلًا إلا إذا كان هناك عذر يقبله المجلس الأعلى؛.. ويمكن القول أن هناك عدم تحديد واضح وصريح لهذه الأعذار التي يمكن من خلالها للمجلس التغاضي عن عدم صدور الأعداد المطلوبة للصحيفة؛ وهو الأمر الذي يمكن المجلس من فرض سيطرته وهيمنته على المؤسسات الصحفية، ويكون له الحق في إلغاء التراخيص الممنوحة للصحف، وكان الأولى بالمشرع أن يضع ضوابط موضوعية واضحة لإلغاء التراخيص، وهو ما يخالف لنص المادة 3 من القانون رقم 180 والتي تنص على أن: ” يُحظر، بأى وجه، فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، ويحظر مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها”.

وتنص المادة (5) من اللائحة على أن: “تلتزم الصحف …….. ويجب أن توجد نسخة من الخواد الإلكترونية التي تستضيف النسخة الإلكترونية في مكان تحدده الصحيفة داخل جمهورية مصر العربية، شريطة أن يكون آمنًا ومعلومًا للمجلس الأعلى، ولا يجوز تغييره إلا بعد موافقة المجلس الأعلى”. يستوقفنا هنا عبارة “نسخة من الخوادم الإلكترونية التي تستضيف النسخة الإلكترونية”، التي تكمن خطورتها في توفير نسخة كاملة لما تحويه الخوادم الإلكترونية، فالنسخة لا تحتوي فقط على الأخبار والتقارير والمحتوى الصحفي المنشور بشكل عام، بل قد تحوي أسماء المستخدمين وكلمات السر، وعدد من التفاصيل التقنية التي قد تؤدي إلى اختراق الموقع الخاص بالمؤسسة الصحفية أو الإعلامية.

نصت المادة (9) من اللائحة على وجوب تقديم طلب للمجلس الأعلى والحصول على موافقة كتابية وذلك في حالة التصرف في حصة من الصحيفة كليا أو جزئيا أو الإندماج مع الغير، و نرى في هذا الشأن أن المشرع قصد من ذلك منح صلاحيات أوسع للمجلس الأعلى فيما يتعلق بإدارة المنظومة الصحفية والإعلامية في مصر، خاصة في ظل الحديث المتداول عن دمج بعض المؤسسات القومية بسبب خسائرها السنوية. كما أن هذا النص خاصة فيما يتعلق بحق المجلس في القبول أو رفض الإندماج ربما يتعارض مع اختصاصات الهيئة الوطنية للصحافة والتي جاءت في المادة (5) من القانون رقم 179 لسنة 2018. 2

بالإضافة إلى أنه ليس من صلاحيات المجلس الأعلى للإعلام تنظيم ما يتعلق بالدمج بين المؤسسات الصحفية. 3

كذلك نصت اللائحة في المادتين (10) و (11) على الشروط الموضوعية والإجرائية والإجراءات اللازمة لطلبات إنشاء وتشغيل الوسائل الإعلامية، ونص القانون ذاته على كثير من هذه الشروط وتلك الإجراءات، كما نصت المادة (12) على أن قرار المجلس بالموافقة أو الرفض بمنح الترخيص يصدر بموافقة أغلبية أعضائه الحاضرين وكان الأولي بالمشرع أن يكون النص بموافقة أغلبية أعضاء المجلس التسع وليس بأغلبية الحاضرين، لا سيما وأن سلطة منح ورفض التراخيص الخاصة بتشغيل وسيلة إعلامية أو موقع إلكتروني من الأمور الجوهرية التي تمس مهنة الصحافة والإعلام بشكل مباشر.

كما نصت المادة ذاتها على أن المجلس يصدر قراره في الطلب بالترخيص أو رفضه خلال 90 يوما من تاريخ ورود الطلب إليه، وهذه المدة طويلة نسبياً خاصة في حالة استيفاء كل البيانات المطلوبة ولم ينظم القانون إجراءات إٍسترداد مقدمي الطلبات المرفوضة للرسوم المدفوعة.

وتناولت المادة (13) أنه يجب إعلان المجلس الأعلى بأي تغيير يطرأ على البيانات التي يتضمنها طلب الترخيص للموافقة على البيانات الجديدة. ويترتب على عدم موافقة المجلس على تلك التغييرات وقف الترخيص أو إلغائه، وهنا يثار تساؤل لماذا يتم وقف الترخيص أو إلغائه في حالة رفض تغيير البيانات، فمن الممكن رفض البيانات والمطالبة بالبيانات التي تم تقديمها مسبقاً؟، كما نص المشرع على وجوب أن تبث الوسيلة الإعلامية خلال سنة من تاريخ صدور الترخيص لها، واعتبرت اللائحة أن عدم انتظام الوسيلة الإعلامية يعتبر من قبيل عدم البث وهو ما يترتب عليه وقف الترخيص أو إلغائه 4، وكان الأحرى التمييز بين عدم البث مطلقاً، وعدم الإنتظام، وفرض عقوبة أو غرامة بالنسبة لكل منها على حده دون المساواة بينهما.

كما أن عدم الانتظام يثبت بقرار من قبل المجلس الأعلى، وربما في بعض الأحيان يكون هناك تعسف من قبل المجلس في هذا الشأن، وكان من الأجدر النص على تشكيل لجنة تضم أطراف من المجلس والهيئة الوطنية للإعلام وشخصيات مستقلة للبت في هذا الشأن، وتوجيه عدة إنذارات ثم سحب الترخيص أو إلغائه.

وجاءت المادة (16) تنص على وجوب احتفاظ الوسائل الإعلامية والمواقع الإلكترونية المرخص لها بكافة المواد التي تم بثها لمدة لا تقل عن سنة، كما أن الخوادم الإلكترونية التي تستضيف النسخ الإلكترونية يجب أن يكون مكانها آمن ومعلوماً للمجلس الأعلى، ولا يجوز تغيير أماكنها إلا بعد موافقة المجلس الأعلى، وقد يثير هذا النص الشك في نوايا الجهات التنفيذية خاصة في ظل تعدد حجب لكثير من المواقع الإلكترونية، وما يمثل ذلك من خطورة على حرية التعبير وحرية الصحافة.

ونصت المادة (21) على ضرورة الحصول على تصريح من المجلس الأعلى في حالة إجراء تسجيل أو تصوير أو لقاءات في الأماكن العامة وعرضها على الوسيلة الإعلامية، وهو ما يتنافى مع نص المادة (12) من القانون رقم 180 لسنة 2018 التي تسمح المادة للصحفيين حق حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، والتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، ومن ثم فهناك خلاف بين ما جاء في اللائحة وما جاء في القانون، حيث أن الترخيص يمكن أن يُمنح للتصوير في الأماكن العامة المحظور التصوير فيها وليس كل الأماكن العامة. 5

وإجمالًا لم تخرج مواد اللائحة التنفيذية عن ذات الرؤية السلطوية للصحافة والإعلام، التي عبرت عنها نصوص القانون رقم 180 لسنة 2018، مع استمرار المشرع فى استخدام منهجية تهدف إلى التضييق على حرية الصحافة ووسائل الإعلام، ومحاولة حصارها وتضييق الخناق عليها، عبر المجلس الأعلى الإعلام الذي يتحكم في المشهد الإعلامي ويغلب على تشكيله انفراد السلطة التنفيذية باختيار غالبية أعضائه.

 الهوامش:

1- محمد السيد، الجريدة الرسمية تنشر قرار رئيس الوزراء بإصدار لائحة الأعلى للإعلام، 23 فبراير 2020، آخر زيارة بتاريخ 1 أبريل 2020، متاح على الرابط https://bit.ly/2JwZDdG.

2- نصت الفقرة 21 من المادة 5 من القانون رقم 179 لسنة 2018 والخاص بالهيئة الوطنية للصحافة على أن من صلاحيات الهيئة دمج المؤسسات، ودمج وإلغاء الإصدارات الصحفية داخل المؤسسة الواحدة.

3- للمزيد يمكن الرجوع إلي نص المادة 70 من القانون رقم 180 لسنة 2018 والخاصة باختصاصات المجلس الأعلى للإعلام. https://bit.ly/2X2JMeC.

4- المادة 14 من اللائحة التنفيذية لقانون 180 لسنة 2018.

5- نصت المادة 12 من القانون 180 لسنة 2018 على ” للصحفى أو الإعلامى فى سبيل تأدية عمله الحق فى حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير فى الأماكن غير المحظور تصويرها، وذلك كله بعد الحصول على التصاريح اللازمة فى الأحوال التى تتطلب ذلك”.