لوحظ في الثلاث سنوات الأخيرة من خلال ما تنشره عدد من المنظمات الحقوقية من تقارير استحواذ المنع من التغطية الإعلامية وبالأخص تغطية جلسات المحاكم على النصيب الأكبر من الانتهاكات السنوية التى تحدث للصحفيين. وكانت دائمًا ما تأتي التوصيات بعدم الإفراط في حق القضاة في جعل الجلسات سرية لأسباب تخص الأمن القومي أو احترام النظام العام.

لكن بدلًا من أن يُعدل القانون بحيث يحدد بدقة ووضوح ما المقصود بمعاييرالأمن القومي أو احترام النظام العام، فوجئنا منذ أيام أن القانون يُعدل ليضيق أكثر على وسائل الإعلام في حضور جلسات المحاكمات.

في هذه الورقة نعرض موقفنا من موافقة البرلمان على تعديل المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية، من خلال المحاور التالية:

.أولًا: قراءة في المادة القديمة والمادة المضافة.

.ثانيًا: تفنيد لحجج بعض المدافعين عن المادة المُعدَلة.

.ثالثًا: قراءة في الاتفاقات الدولية والإقليمية حول هذه المادة.

.رابعًا: المقصود بعلنية المحاكمات.

.خامسًا: ماقاله الدستورالحالي دستور 2014 وأحكام المحكمة الدستورية المصرية .

.سادسًا: توصيات.

أولًا: قراءة في المادة القديمة والمادة المضافة:

الفقرة المضافة للمادة 268 وهي الفقرة(ب) تقول”لا يجوز نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة كانت،إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة القضائية”، مضمون هذه الفقرة يتناقض مع مضمون الفقرة التى تسبقها، والتي تنص على “يجب أن تكون الجلسة علنية ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها”.

فمضمون الفقرة (ب) المضافة يشترط وجود موافقة كتابية من رئيس الدائرة القضائية أو القاضي مما يعني أنه لن يُسمح لأي صحفي أو وسيلة إعلام بحضور جلسات أي محاكمة طالما أنه لا يحمل هذا التصريح عكس مايحمله مضمون الفقرة الأولى والتي تسمح لأي صحيفة أو وسيلة إعلام بحضور الجلسات إلا إذا رفض القاضي أو قرر جعلها سرية، بل إن صلاحية القاضي في المادة القديمة في جعل جلسات المحاكمة سرية لم تكن مطلقة ولكنها اشترطت مراعاة النظام العام أو محافظة على الآداب .

كذلك فإن الفقرة المضافة تحيل المحاكمة العلنية من حق إلى رخصة، فالرخصة كما عرفها فقهاء القانون هي أن ترغب في امتلاك شىء وأن تتخذ خطوات نحوه، لكن لايعني أنك امتلكت هذا الشيء، مثل أن يكون لديك رغبة في امتلاك منزل معين ثم تتصل بصاحب هذا المنزل من أجل أن تعرض عليه شراءه، وهوما قد يحدث وقدلا يحدث، يختلف في ذلك عن الحق الذي يعني أنك قد امتلكت هذا المنزل بالفعل، في حق المحاكمة العلنية، ضعُف الحق ليتحول إلى رخصة بأن جعل حضور الصحفيين والإعلاميين لجلسات المحاكم مرهونًا بشكل كامل بإرادة القاضي ودون معايير واضحة.

 

ثانيًا: تفنيد لحجج بعض المدافعين عن المادة المُعدَلة:

يدافع البعض عن هذا التعديل بأن الظروف الحالية التي تمر بها مصر تفرض وجود هذا القانون، حتى لايتم التأثير على الشهود أوالقضاة أو القضايا بشكل عام، أو لأن بعض وسائل الإعلام قد نقلت أخبارًا ومعلومات غير حقيقية عما يحدث داخل المحاكمات، أو لأن بعض القضايا قد تمس الأمن القومي ومن ثمَّ نشر هذه المعلومات على وسائل الإعلام قد يضر بالأمن القومي.

والرد على هذه الحجج، هو أن القانون المصري يكفيه المواد الموجودة بالفعل والتي تبدد أي مخاوف قد ترد في الأذهان على النحو التالي:

من حق القاضي وفقًا للقانون أن يجعل الجلسة سرية إذا رأى أن ماقد يتم تناوله في الجلسة يهدد الأمن القومي حال نشره على الإعلام، المادة 268الفقرة (أ)”يجب أن تكون الجلسة علنية ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها”.

تنص المادة 189 من قانون العقوبات المصري في إحدى فقراتها على أن: “يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في الدعاوى المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية”.

إن قانون العقوبات يعاقب بالحبس من ينشر معلومات أو أخبار قد تؤثر على سير العدالة أو الشهود أو القضاة في المادة 187 التي تجرم نشر أمور من شأنها التأثير على القضاة الذين يُناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أي جهة من جهات القضاء في البلاد وفي رجل القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق أوالتأثيرعلى الشهود الذين قد يُطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أوفي ذلك التحقيق أوأمورًا من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده.

المادة 23 من القانون 96 لسنة96  قانون الصحافة تنص على: “يُحظر على الصحيفة تناول كل ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة بما يؤثر على صالح التحقيق أو المحاكمة أو بما يؤثرعلى مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة”

تعاقب المادة 102 مكررعلى نشر الأخبارأوالإحصاءات أوالشائعات التي يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بالأمن الوطني، أوترهيب الجمهور، أوإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

ـ أما من ينشر أخبار كاذبة عن سير المحاكمات في وسائل اﻹعلام خارج مصر، فحل هذه المشكلة ليس بجعل المحاكمات سرية، لأن السرية هي التي ستفتح المجال للإشاعات والتكهنات، لكن بالسماح لوسائل الإعلام بالحضور ونقل الحقيقة هي فقط التي ستقضي على أي أكاذيب.

 

ثالثًا: قراءة في الاتفاقات الدولية والإقليمية حول هذه المادة:

تُخالف الفقرة (ب) من المادة 268 المُعدَلة حق المتهم في المحاكمة العلنية، ويمكن إرجاع هذا الحق إلى مصادر متعددة تتنوع بين مصادر دولية وإقليمية وأخرى محلية، مع العلم أن المصادر الإقليمية والدولية كثير منها مُلزم للمشرع المصري ولها قوة القانون طالما أن مصر صدَّقت عليها وفق ماينص عليه الدستور المصرى في المادة (93) التي تقول: “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدَّق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة”.

ـــ نبدأ بالمصادر الدولية والإقليمية:

ـ المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أصبح عرفًا دوليًا ملزمًا لجميع أعضاء المجتمع الدولي يقول: “لكلِّ إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحقُّ في أن تنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه”

ـ المادة (14) فقرة (1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي صدقت عليه مصر، وبالتالي فهو له قوة القانون تقول: “الناس جميعًا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية أن تكون قضيته محل نظر مُنصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون. ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أوالأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أولمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تُخل بمصلحة العدالة، إلا أن أي حكم في قضية جزائية أو دعوى مدنية يجب أن يُصدر بصورة علنية، إلا إذا كان الأمر يتصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجين أو تتعلق بالوصاية على أطفال”.

ما سبق يعني أن سرية جلسات المحاكم دائمًا ماتكون الاستثناء، وحتى هذا الاستثناء ليس للمحكمة فيه سلطة مطلقة، وإنما مرتبط بدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي أو إخلالًا بمصلحة العدالة وفق ماتقوله المادة (14) الفقرة (1) من العهد الدولي والذي صدَّقت عليه مصر، وباستثناء ذلك فمن حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر علني.

ـ المادة (13) الفقرة ( 2) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والتي وقَّعت عليه مصر دون تصديق يقول: “تكون المحاكمة علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان”

بجانب المواد السابقة توجد المادة (8) من الاتفاقية الأمريكية والمادة (6) من الاتفاقية الأوروبية والمادتان (19) و(20) من النظام الأساسي لمحكمة (رواندا) وهي كلها مواد تؤكد أن حق الفرد في المحاكمة العلنية هو الأصل وأي شكل آخر للمحاكمة يكون استثناءً يتطلبه تحقيق العدالة، صحيح أن مصر ليست طرف في هذه الاتفاقيات، لكن مصر جزء من المجتمع الدولي الذي تتعامل معه، ومن ثم تكون لهذه الاتفاقات قوة أدبية.

 

رابعًا : المقصود بعلنية المحاكمات:

إذا تطرقنا للمقصود بعلنية المحاكمات، فهناك اتفاق في الفقه القانوني على أنها تعني السماح لكل الجمهور بحضور جلسات المحاكمات بدون استثناء أو تفرقة .

كذلك فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تفسيرها لمعنى العلنية أكدت أنه يشمل السماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى المحاكمات وتغطية جلساتها فيما عدا الاستثناءات التي ذكرتها المادة (14) في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

 

خامسًا: ما يقوله الدستور الحالي دستور 2014 وأحكام المحكمة الدستورية:

ـ التعديل الجديد يُخالف أيضًا الدستور المصري الحالي دستور 2014 في المادة 187 التي تنص على أن “جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”، وتُخالف حق المواطن في الحصول على المعلومات الذي تكفله له المادة (68) التي تنص على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون”.

ـ ولأنه يتعين وفقًا لأحكام المحكمة الدستورية المصرية على كل سلطة عامة أيًا كان شأنها وأيًا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، مما قد يُوصم هذه المادة بالعوار الدستورى فيما بعد.

ـ التعديل الجديد يُخالف كذلك أحكام المحكمة الدستورية المصرية وتفسيراتها المُلزمة لكل المؤسسات وفقًا للقانون(48) لسنة 1979، إذ تؤكد المحكمة على علنية المحاكمات كأحد شروط المحاكمة العادلة واستنادها إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في تأسيس هذا الشرط في أكثر من قضية دستورية، وأن الحقوق التي كفلها الدستورلا يجوز إسقاطها أو تنحيتها عن مجال تطبيقها، سواء بعمل تشريعي، أو من خلال مقابل مالي أيًا كان مقداره، بل يتعين اقتضاؤها عينًا كلما كان ذلك ممكنًا حسب ما أكدت المحكمة الدستورية في حكم آخر.

 

سادسًا: توصيات:

ـ إننا في “المرصد المصري للصحافة والإعلام” نشارك بالتأكيد البرلمان المصري مخاوفه المتعلقة بالأمن القومي، ولكن من منطلق حرصنا على هذا الأمن، ندعو الرئيس إلى عدم التصديق على هذا التعديل وإعادته مرة أخرى إلى البرلمان من أجل إلغاء هذه المادة التي تحرم السلطة من مشاركة الرأي العام في محاربة الإرهاب بمنعه من متابعة القضايا التى تفتح المجال للمواطن العادي أن يعرف من خلال وقائعها كيف يتم صناعة التطرف؟ وفيم يفكرهؤلاء المتطرفين؟ إضافة إلى إظهار الحقائق المتعلقة بكل قضايا الأنظمة التي ثار عليها المصريون في  25 يناير 2011 و 30 يونية 2013 والتي لا تزال معلقة حتى الآن.

ـ إظهار الحقائق حتمًا سيقلل من حدة الاحتقان السياسي الموجودة في المجتمع منذ 2013 بين عدد كبير من شرائحه.

للإطلاع على الورقة بصيغة الـ  PDF