في إطار متابعة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، للبيئة المهنية للعمل الصحفي في مصر وتأثير التعديلات التشريعية على عمل الصحفيين، حاول فريق عمل “المرصد” من خلال هذه الورقة البحث عن إجابة لسؤال: “بعد عامين من تطبيقه، إلى أي مدى كان لقانون مكافحة الإرهاب تأثيرًا سلبيًا على حرية الصحافة في مصر من ناحية، وعلى عمل الصحفيين من ناحية أخرى؟” ذلك القانون الذي صدّق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في غياب البرلمان والذي حمل رقم 94 لسنة 2015، وصدر في 15 أغسطس 2015، وتضمن مادتين متعلقتين بالصحافة وهما المادتين 35، 36 والتي نصتا على “حظر نشر أو إذاعة أخبار تتضمن معلومات مخالفة للرواية الرسمية عن العمليات الإرهابية” و”حظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة”.

لكن المفارقة أن مواد الصحافة في قانون مكافحة الإرهاب – والتي أضيفت خصيصًا بعد “الغضب” الرسمي من تناول الصحافة الأجنبية لمعركة للجيش المصري في سيناء في مطلع شهر يوليو 2015 – لم يتم تطبيقها فعليًا ولو لمرة واحدة خلال العامين الماضيين ولكن هذه المواد أشاعت جوًا من الخوف بين الصحفيين في مصر، وأضافت حلقة جديدة للقيود التي تُكبل الصحافة المصرية، وكان لها بالغ الأثر على عمل الصحفيين حتى لو لم يكن الملف الذي يعمل عليه الصحفي يتعلق بمكافحة الإرهاب. وكان الاختبار الأول لتطبيق القانون – بحسب ما ذكره الصحفي ورئيس تحرير موقع البداية، خالد البلشي، لموقع دويتشه فيله – بعد صدوره بـ4 أيام فقط، فعندما تم تفجير مبنى الأمن الوطني في شبرا الخيمة، 20 أغسطس 2015، وأصيب 29 شخصًا.. “الصحفيين ظلوا حائرين وتوقف الجميع عن النشر لأكثر من ساعة خوفًا من نشر بيانات مخالفة للبيانات الرسمية”.

وجاءت الشهادات التي جمعها فريق العمل بـ”المرصد”، متوافقة إلى حد كبير مع هذه النظرة؛ فقد فرضت كل جريدة رقابتها الذاتية على ما يُنشر بها وحتى مع علم الجريدة وتأكدها من الخبر الذي يصل إليها، فإنها تمتنع عن نشره حتى صدور تعليق رسمي وخاصة فيما يتعلق بالوضع في سيناء حيث أصبحت الصحف مقيدة فيما تنقله بصدور بيانات رسمية من المتحدث العسكري أو كما عبّر عنه أحد الصحفيين الذين تم تسجيل شهادتهم بقوله “الصحفي أصبح زي المحولجي” ورأت صحفية بموقع مدى مصر أن “القانون حقق هدفه في نشر الخوف”.

لم يتوقف تأثير قانون مكافحة الإرهاب على “نشر الخوف” فقط، فعلى الرغم من أنه لم يتم رصد أي حالة لتطبيق القانون بتوقيع الغرامات على صحيفة خالفت نصوصه، إلا أن قرارًا صدر من جهة غير معلومة حتى الآن، في 24 مايو 2017، بحجب مواقع إلكترونية، بموجب قانون مكافحة الإرهاب وقانون الطوارىء أيضًا، وهذا الأخير تم تطبيقه في أبريل من العام الجاري لمدة 3 أشهر، ثم مده لـ3 أشهر أخرى، ثم إعادة إعلان حالة الطوارئ من جديد بداية من 13 أكتوبر 2017. ويتضمن هذا القانون مادة تجيز لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي تدابير منها “الأمر بمراقبة الرسائل أيًا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها”.

قوبل القانون قبل إصداره بعاصفة من الرفض بدأت منذ الإعلان عن مسودته الأولى؛ فقد رفضت نقابة الصحفيين ممثلة في يحيي قلاش، نقيب الصحفيين آنذاك، هذه المسودة، واعتبر مجلس النقابة أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب يتضمن “مواد خطيرة تنال من حق المجتمع في معرفة الحقائق، وحرية الصحافة والإعلام في استقاء المعلومات من مصادرها المختلفة”، ونجحت النقابة في تعديل مادة واحدة من أصل 4 مواد اعترض عليها مجلس النقابة وجموع الصحفيين كما أبدى المجلس القومي لحقوق الإنسان عددًا من الملاحظات على القانون وهو ما فعله أيضًا العديد من خبراء القانون والعلوم السياسية، إلا أن رد الفعل الأكثر حدة كان من منظمة مراسلون بلا حدود، وهي منظمة دولية معنية بالحريات الإعلامية، والتي اعتبر أمينها العام كريستوف ديلوار أنه بصدور هذا القانون: “يدخل المصريون في الوقت الحالي عالمًا يشبه ذلك الذي وصفه جورج أورويل، حيث يُسمح للحكومة فقط بأن تقول ما يجري. وحتى في الدول التي تشهد تقييدًا كبيرًا لحرية المعلومات، نادرًا ما تقوم القوانين بقمع التعددية بهذا الشكل الصارخ. تغرق مصر أكثر فأكثر باستبدادية مريعة لا تكتفي بالتحكم بالمعلومات واعتقال الصحفيين، ولكن أيضًا بتعريضهم لضغوط أكبر مما كان ممارسًا عليهم في حقبة مبارك”.

للإطلاع على الورقة البحثية نسخة PDF.. اضغط هنا