أكمل الصحفي مصطفى الأعصر، اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2021، 3 سنوات من الحبس الاحتياطي، منذ القبض عليه في 4 فبراير 2018، على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2018، والتي أخلي سبيله فيها يوم 7 مايو 2020، قبل أن يتم تدويره على ذمة القضية الحالية رقم 1898 لسنة 2019 أمن دولة، بذات الاتهامات التي وُجهت له سابقًا، وهي الانتماء لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، وبث ونشر أخبار كاذبة.

*النشأة والدراسة*
ولد مصطفى الأعصر في 10 يناير 1993، بالفيوم، وترتيبه الثالث بين أشقاءه، درس في كلية الإعلام جامعة أكتوبر، وتخرج منها عام 2013.
دفعه مجال دراسته إلى الاستقلال عن أسرته والعيش في القاهرة، منذ عامه الأول بالجامعة.

*عمله الصحفي*
شغفه بالصحافة، دفعه إلى العمل فيها وهو لا يزال في المرحلة الثانوية، حيث التحق بالتدريب والعمل في أكثر من جريدة إقليمية بالفيوم، وبعد استقلاله والعيش في القاهرة، تنقل بين عدة صحف ومجلات ومواقع إلكترونية، من أبرزها: مجلة كلمتنا، وألترا صوت.

*اهتماماته*
لم يصرفه حبه للصحافة عن الاهتمام بكتابة الشعر، الذي استهواه منذ الصغر، فأصدر ديوان شعر نُشر عام 2012 تحت عنوان “قلّة أدب” عن دار المصري للنشر والتوزيع، ولم تكن الكتابة فقط هي كل ما يواظب عليه خلال يومه، فهو كما تصفه شقيقته شخص محب للفن، يهوى الرقص والغناء والموسيقي، إلى جانب التصوير.

لا يزال”الأعصر” يحلم وهو داخل محبسه أن يأتي يومًا يصدر فيه ديوان شعر كبير يكون له نصيبًا من الشهرة، وأن يعاود كتابة قصصه القصيرة، ويخرج إحداها كعمل سينمائي “روائي طويل”.
لفترة من الوقت، شارك الأعصر في تأليف وإخراج 3 أفلام قصيرة، وتعاون مع عدد من المراكز البحثية الحقوقية.

*قبل 3 سنوات*
ألقي القبض على الصحفي مصطفي الأعصر مع زميله الصحفي”حسن البنا”، في صباح 4 فبراير 2018 ، بينما كانا متوجهين إلى جريدة الشروق، مقر عمل “البنا”، ومحل تدريب “الأعصر” الذي كان يعمل أيضًا صحفيًا بموقع “ألترا صوت”، ومنذ إلقاء القبض عليهما، انقطعت عنهما الأخبار تمامًا ولم يتم معرفة محل احتجازهما.

أصدرت أسرة حسن البنا بيانًا بعد مرور 48 ساعة على اختفاءه مع الأعصر، وذكرت الأسرة في البيان أنها بحثت عنهما في جميع أقسام الشرطة والمستشفيات، وتمكنت من تحديد آخر مكان لتواجدهما من خلال هواتفهما المحمولة، وتبين أنهما كانا في معسكر تابع لقوات الأمن بالجيزة.

ثم قامت الأسرة بعد ذلك بإرسال تلغرافات إلي النائب العام، ووزارة الداخلية، كما قدمت شكوي إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان للكشف عن مصير المختفيين، و قدم محامي أسرة البنا بلاغًا حمل رقم 792 عرائض محام نيابات جنوب الجيزة بشأن واقعة اختفاء البنا والأعصر، واستمعت النيابة إلى أقوال المحامين الذين قاموا بالبحث عن البنا والأعصر في جميع أقسام الشرطة والمستشفيات، دون وجود أثر لهما.

فيما بعد وردت معلومات “بشكل غير رسمي”حول المختفيين، والتي أفادت باحتجازهما لدى جهاز الأمن الوطني بالشيخ زايد.

*الظهور*
بعد مرور ما يقرب من أسبوعين، ساد خلالهما حالة من الغموض التام حول مصير مصطفى الأعصر أو محل تواجده هو وزميله، ظهر مصطفى الأعصر يوم 15 فبراير 2018 أمام نيابة أمن الدولة العليا، مع زميله حسن البنا، ووجهت النيابة إلى الصحفيين، تهمتي الانتماء لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون، وبث ونشر أخبار كاذبة، في القضية رقم 441 لعام 2018، المعروفة إعلاميًا باسم ” الحراك الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين.

*داخل السجن*
عانى مصطفى الأعصر خلال فترة حبسه الأولى في القضية القديمة، من ظروف معيشة سيئة داخل محبسه، وسرد الأعصر نماذجًا من هذه الظروف في الرسالة التي أصدرها مع زميله مصطفى أحمد، لإعلان إضرابهما عن الطعام، بسبب وفاة زميلهما عمر عادل داخل زنزانة التأديب، فأوضح في الرسالة أنه لا يُسمح له ولزملائه في السجن، بالخروج إلى العيادة في أي وقت، كما يتم التعامل معهم بنوع من التهاون، وكذلك لا يتوافر العديد من الأدوية بالعيادة، ولا يُسمح بدخولها حتى في الزيارات، و أن العيادة غير مجهزة للحالات الحرجة أو تلك التي بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة، كما يتم التعامل مع تلك الحالات بنوع من التسويف، أو إعطاء المسكنات غير الجدية.
واستكمالًا لسرد الوضع السيء داخل السجن، ذكر الأعصر مع مصطفى أحمد في الرسالة الآتي: “المياه تنقطع أغلب ساعات اليوم، وقد تصل في بعض الأيام إلى 18 ساعة انقطاع في هذا الحر الشديد وعن غرف ضيقة يسكن كل غرفة متوسط 15 مسجون، وغير مسموح بدخول المراوح الكهربائية في هذا المناخ، وغير مسموح بدخول بعض الوسائل الترفيهية البسيطة كالكتب أو الراديو”.
كما أضاف الأعصر في ذات الرسالة أن : “ملعب التريض غارق في مياه من المجاري أغلب الوقت، وهو المكان الوحيد المسموح لنا فيه بالمشي والحركة أو ممارسة الرياضة لساعتين يوميًا وأن ترى أجسادنا الشمس قليلًا، حتى هذا الحق في الحفاظ على أجسادنا من آثار الخمول وقلة الحركة أصبح غير متاح”.

أثناء فترة حبسه الأولى؛ طالب الأعصر بتحسين أوضاع المسجونين، واختزلها في عدة نقاط، منها: تجميد عقوبة التأديب، أو مرونة العمل بها في ظروف المناخ السيء أو الحالات الطبية الحرجة التي قد يُسبب التأديب بظروفه القاسية أضرارًا جسمية ودائمة للسجين، وضرورة إجراء كشف طبي دقيق على أي سجين قبل التأشير على تسكينه بالتأديب، وكذلك ضرورة توفير العناية الطبية له أثناء فترة العقوبة حتى لا تتكرر مأساة عمر عادل، وتعديل شروط التأديب حيث يُسمح للسجين بدخوله الغرفة ببطانية خاصة به، وإخراجه أكثر من مرة يوميًا للتهوية وقضاء الحاجة، كما طالب الأعصر بـأن يتم إرسال وجبة طعام واحدة يوميًا لمسجون التأديب لحين انتهاء عقوبته، مع ضرورة وجود كمية مناسبة من المياه بالغرفة، وجاءت هذه الطلبات في الرسالة التي أعلن خلالها الأعصر؛ إضرابه عن الطعام مع مصطفى أحمد عقب وفاة عمر عادل.

*الوضع الصحي*
لم تكن حالة مصطفى الأعصر الصحية على ما يرام، فقد تدهورت صحته كثيرًا أثناء وجوده في القضية الأولى رقم 441 لسنة 2018، وعن ذلك قالت شقيقته في منشور لها على فيسبوك: “في يوم الجمعة الموافق 10 يناير 2020، شعر الأعصر بألم شديد في جانبه الأيسر، وشك أن هذا الألم نتيجة مغص كلوي، فطلب الذهاب إلى العيادة لتوقيع الكشف الطبي عليه، والحصول على العلاج المناسب، ولكن عندما وصل مصطفى الأعصر إلى العيادة، تعامل معه الطبيب ـ الضابط الطبيب أحمد سمير ـ بطريقة غير لائقة قائلًا :”ارجع لورا كده .. ارجع تاني .. اطلع برا العيادة ” مستخدمًا ألفاظًا غير لائقة، فرد عليه مصطفى “أنا جاي هنا اتعالج مش جاي اتخانق معاك”، فما كان من الطبيب إلا أن قام بالاعتداء عليه، عن طريق إمساكه من ملابسه ودفعه إلى الحائط، علمًا بأن الأعصر كانت لديه جبيرة في يده اليمنى في هذا الوقت، لم تمكنه من مقاومة الطبيب، وفي النهاية لم يحصل الأعصر سوى على حقنة مسكنة أعطاها له الممرض، حسبما ذكرت شقيقته.
وخلال إحدى رسائله، شكى الأعصر من الرعاية الطبية داخل السجن قائلًا : “عندما يمرض أحدنا ليلًا نظل ننادي ونصرخ إلى أن يستجيب لنا الشاويش أو المخبر الموجود الذي بدوره يُبلغ عن مرض أحد المحبوسين ثم ننتظر أن يأتي مفتاح الغرفة من الإدارة بالخارج ما لا يقل عن نصف ساعة، وهذه الاستجابة البطيئة قد تعرض المريض للخطر أو تفاقم حالته. فضلًا عن أن الشاويش أو المخبر المسؤول عن العنبر لا يتعاطى مع سوء الأوضاع بجدية فإذا انقطعت المياه لفترة طويلة وسألناه بحل المشكلة يكون الجواب (هعملك ايه يعني؟) الأسوأ من ذلك عندما تكون هذه اللامبالاة في التعامل مع المرضى”.

ويضيف: “أطباء العيادة يتعاملون معنا بتعالٍ وعجرفة غير مبررة وغير مفهومة ولا يستمعون إلى شكوانا بصدق واهتمام”، و”لا يتم الكشف الطبي الدقيق على السجين قبل التأشير على تسكينه بالتأديب مما يعرضه للخطر، كما لا تتم مراعاة حالته النفسية”.

وطالب “الأعصر” إدارة السجن بزيادة الاهتمام بالرعاية الطبية للمساجين كافة، بما في ذلك توفير الأدوية اللازمة في العيادة، والسماح بدخول الأدوية غير المتوفرة بالعيادة أثناء الزيارات الأسبوعية، وكذلك جدية التعامل مع الحالات المرضية، وعدم التعامل معها بمبدأ التسويف أو المسكنات حتى لا تتضاعف الآثار المرضية، بالإضافة إلى ضرورة وجود طبيب مشرف لكل عنبر يتابع حالات المساجين ومتطلباتهم الطبية، وأن لا يتعامل أطباء العيادة مع المساجين بنوع من التعالي والعجرفة، وأن يستمعوا لشكاوى المساجين بجدية دون تهاون منهم أو إهمال.

*كورونا*
مع الإجراءات الاحترازية التي انتهجتها مصلحة إدارة السجون، وشمل ذلك منع الزيارات عن المحبوسين منذ نهاية مارس الماضي، لم تستطع “منار” الاطمئنان على شقيقها، وحال ذلك دون إرسالها أو استقبالها رسائل منه طوال 6 أشهر، قبل أن تفتح مجددًا في منتصف أغسطس الماضي.

لم يكن” الأعصر” قبل فترة كورونا قد تم ترحيله من الفيوم، وتسبب ذلك في عدم رؤية أسرته له، كان الأمر مقتصرًا مثلما أشارت شقيقته على “طبلية” وهي عبارة عن زيارة يأتي بها أحد أفراد الأسرة وتحتوى على كافة ما يحتاجه من طعام وشراب وأدوية ومنظفات وخلافه، وتعتبر “الحلويات” هي المطلب الأساسي لـ” الاعصر” من أسرته في كل زيارة.
تعاني منار الأعصر عند كل زيارة لشقيقها من التعامل الغير مهذب من إحدى مفتشات السجن معها، يكون ذلك من خلال تفتيشها تفتيشًا ذاتيًا باليد وهو ما تعتبره إهانة مقصودة، والسبب حسب قولها أن الزيارات هناك مسموحة للسياسيين والجنائيين معا، والتفتيش يكون واحد في الحالتين.

وخلال فترة حبسه الأولى، سُربت رسالة من داخل السجن كتبها “الأعصر”، أوضح فيها أن أهالي المساجين يشكون دومًا من سوء المعاملة في الزيارات من قِبل المخبرين، حتى أن أكثر من سجين اشتكى من تعرُض أهله للسباب أثناء الزيارة وللإهانة أثناء التفتيش، بالإضافة إلى طول فترة الانتظار لدخول قاعة الزيارة، وأن وقت الزيارة غير عادل، وغير منظم، فبعض الزيارات قد تطول لساعة أو أكثر، بينما الزيارة التالية لها لا تتجاوز الـربع ساعة، وهو ما أكدته شقيقته لـ”المرصد”.

*اذكروني*
يحمل “الأعصر” بداخله قلب طفل وروح فنان، وهو شخص يحب الاعتماد على نفسه، مثلما تصفه شقيقته في حديثها لـ” المرصد”، لا يشارك همومه مع أحد، عانى كثيرًا خلال فترة حبسه الأولى، وكان لديه هاجس أنه قد يتعرض للنسيان وأن أحدًا لن يذكره، و أصابه ذلك بالحزن والاكتئاب، خاصة مع استمرار حبسه احتياطيًا على ذمة القضية رقم 441 لعام 2018، والتي علق عليها قائلًا: ”إن كنتُ مذنبًا فحاكموني، أما الحبس الاحتياطي المفتوح فهو لعنة”.

لم يهنأ الأعصر بقرار إخلاء سبيله في القضية الأولى، فسرعان ما تم تدويره على ذمة قضية جديدة هي القضية رقم 1898 لسنة 2019، لتستمر بذلك معاناته بين دوامة “الاحتياطي” والتي وصفها في رسالته التي نشرها المرصد في عيد ميلاده الأخير، قائلًا:” أنا التجسيد الحي لحالة الميوعة المزعجة”. للاطلاع على الرسالة.. اضغط هنا

ومع غيابه لـ 3 سنوات ـ متصلة ـ تفتقد منار الأعصر مشاركة شقيقها في معظم تفاصيل حياتها، فهو بالنسبة لها “الأب” قبل كونه الأخ والصديق. لا تستطيع نسيان المرات التي جمعتهما سويًا في المساء، وهما يشاهدان فيلمًا جديدًا طُرح لتوه في دور العرض، ولا المناقشات التي دارت بينهما حوله، ولا مذاق الطعام الذي كانا يتقاسمانه، كان ذلك قبل القبض عليه بـ 4 أشهر، في تلك المرة كان هناك شعور قابض ينتابها بأن هذه المرة ستكون الأخيرة التي تجمع بينهما داخل جدران المنزل، قبل أن يغيب شقيقها في دوامة الحبس الاحتياطي بين أسوار السجن، بتهم هي أبعد ما يكون عن شقيقها “أعصور” كما تحب أن تناديه، وهو أيضًا “الصندوق الأسود” الذي تستطيع أن تلقي فيه كل ما في جعبتها، وهي على يقين أنه سيحتويها ويوجهها إلى القرار الصائب.