يأتي شهر رمضان علينا بفرحته، لكن تفتقد فيه أٌسر الصحفيين واﻹعلاميين أفرادًا منهم، بعيدين عن بعضهم البعض، تفرق بينهم أسوار السجن، لتخلو المائدة من اكتمال البهجة والسعادة.

“ثالث رمضان وبابا يقضيه في السجن.. رحمتك يا رب” بهذه الكلمات عبرت الزهراء ابنة محمود حسين، الصحفي بقناة الجزيرة، عن مدى شوقهم لوالدهم وأسفهم ﻻفتقادهم له على مائدة اﻹفطار العائلية في رمضان.

شوق يزداد للقاء الوالد الذي يفتقد تسعة من اﻷبناء وزوجة، وعلى غرار العادة في الزيارة اﻷهلية، تستمر زيارتهم لوالدهم خلال شهر رمضان مرة واحدة في اﻷسبوع بسجن طرة تحقيق.

تحت لهيب الشمس المحرقة، وحرارة اﻷسفلت في نهار رمضان، تقف أهلية “جمعة” أمام بوابة السجن في زيارتهم العادية من السابعة صباحًا ليمضوا في إجراءات الزيارة التي تستمر حتى الثانية ظهرًا، سبع ساعات طوال تقضيها أسرة صحفي الجزيرة في صفوف انتظار تطول ما بين تسجيل اﻷسماء وتسليم البطاقات الشخصية، وانتظار الدخول حتى أنهم لا يجدون مكانًا للجلوس فيه نظرًا للسماح لهم بالدخول كآخر زيارة.

ميلاد ونشأة

شغفه بالعلم والنهل من العلوم المختلفة على الرغم من تخرجه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جعله يجمع بين السياسة والقانون والتاريخ، فكون شخصية إعلامية متميزة، إنه محمود حسين جمعة، ولد لأب وأم مصريين، فهو الأول من بين تسعة من الأبناء، من مواليد قرية زاوية أبو مسلم، محافظة الجيزة، بتاريخ 12 ديسمبر 1966، يبلغ من العمر 52 عامًا، ويعد أول الحاصلين على شهادة جامعية في أسرته.

وبنفس عدد إخوته، كان له نصيب في أن تكون لديه أسرة مكونة من تسعة من الأبناء وزوجة، ويعيش مع أهله في الجيزة ببيت العائلة، وذلك وفقًا لحديث ابنته الزهراء محمود حسين، لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”.

الدراسة المتنوعة

كانت جامعة القاهرة مقره الرئيسي للتخرج في كليات متنوعة، فقد تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1988 وفي العام التالي حصل على تمهيدي الماجستير، ثم التحق للدراسة بكلية الحقوق فحصل على ليسانس الحقوق عام 1994، وبنفس الفترة التحق بكلية الآداب قسم التاريخ وتخرج فيها عام 1996، وكانت دبلومة العلوم السياسية من معهد الدراسات العربية عام 1998، آخر ما حصل عليه في مسيرته العلمية.

مسيرته المهنية

ما بين المعد والباحث والمراسل التليفزيوني والصحفي، تنوعت المهام الوظيفية لمحمود حسين جمعة، فبعد تخرجه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، عمل معدًا ومحررًا للبرامج في إذاعة صوت العرب المصرية، وفي الوقت ذاته عمل باحثًا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، وباحثًا في مركز دراسات الوحدة العربية.

العمل بالتليفزيون

بدأت نقلته النوعية في العمل التليفزيوني منذ عام 1997 إذ بدأ العمل في قناة النيل للأخبار بالتليفزيون المصري، كصحفي ومراسل حتى عام 2004 على الأرجح -حسب ابنته- وترقى فيها إلى كبير مراسلين ثم أصبح مديرًا عامًا لقسم المراسلين بالقناة. وفي الوقت ذاته كان “جمعة” يعمل مراسلًا لقناة العالم الإخبارية، وتليفزيون البحرين، وتليفزيون السودان. كما تولى إدارة مكتب قناة الرافدين العراقية وإدارة مكتب التليفزيون السوداني بالقاهرة.

العمل الأكاديمي

في ظل خبرته العلمية والمهنية، كان لمحمود حسين الإمكانيات التي أتاحت له التدريس في معهد الإذاعة والتليفزيون، لصغار الصحفيين والمتدربين لحوالي خمس سنوات، وذلك في نهايات سنوات عمله بقناة النيل للأخبار بالتليفزيون المصري قبل انتقاله للعمل بقناة الجزيرة.

قناة الجزيرة

في عام 2011 انتقل الصحفي محمود حسين، للعمل رسميًا بقناة الجزيرة الإخبارية في القاهرة، فعمل منتجًا ومراسلًا، وشارك في تغطية ثورة يناير 2011، مستمرًا في عمله بالقناة حتى قامت السلطات المصرية بإغلاق مكتب القناة بالقاهرة عام 2013. وبقي بعدها في مصر لمدة عام، ثم انتقل للعمل بقناة الجزيرة في مدينة الدوحة بدولة قطر منذ 2014 حتى آخر عام 2016، عمل فيها منتجًا للأخبار في قسم المراسلين. ونظرًا لبعده عن أسرته وأهله فقد كان يأتي في إجازة لمصر كل ثلاثة أشهر غالبًا، كي يطمئن على والدته وأبنائه.

فصله من النيل للأخبار

وروت ابنته الزهراء في حديثها لـ”المرصد” أنه في الوقت الذي عمل فيه والدها مع قناة الجزيرة في قطر كان قد حصل على إجازة من قناة النيل للأخبار، وفي كل عام كان يقوم بتجديدها، إلا أنه عندما ألقت قوات الأمن المصرية القبض عليه في زيارته الأخيرة لمصر تم فصله من قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري، وعلى إثر ذلك قالت إن أسرتها ترى أن هذا إجراءً تعسفيًا وعقابيًا.

إلقاء القبض عليه

في زيارته الأخيرة لمصر لقضاء إجازة مع أسرته عام 2016، كانت والدة الإعلامي محمود حسين، مريضة وعندما علم أبناؤه بهذه الزيارة طلبوا منه عدم النزول خوفًا عليه، لكنه أخبرهم أن لا شيء يقلقه، وخلال هذه الفترة – كما روت ابنته – كانت العلاقات متوترة بين مصر وقطر، فضلًا عن أن قناة الجزيرة كانت قد نشرت فيلم “العساكر.. حكايات التجنيد الإخباري في مصر”، والذي أكدت أن والدها لم يكن ضمن فريق العمل فيه، وبتاريخ 20 ديسمبر 2016، وبينما والدها في مطار القاهرة، أوقفته قوات الأمن، لمدة 14 ساعة، وسحبوا منه جواز سفره، ثم عاد إلى بيته لمدة يوم واحد.

ووفقًا لرواية ابنته الزهراء، ففي يوم 23 ديسمبر تلقى والدها استدعاء لاستلام جواز السفر، إلا أنه اختفى في هذا اليوم حتى الحادية عشرة مساءً، ثم رجع إلى البيت بصحبة قوات الأمن وحوالي 40 فردًا يرتدون زيًا ملكيًا وميريًا، وعربات تأمين، مؤكدة أنهم قاموا بتفتيش بيت العائلة كله، فضلًا عن تكسير الأبواب، واصطحبوه وشقيقيه، واللذين اختفيا قسريًا لمدة 11 يومًا، إلا أنها أوضحت أن والدها اختفى لمدة يومين، وأعُلن من خلال التلفاز أنه تم إلقاء القبض عليه وسيتم عرضه على النيابة للتحقيق معه،وتم نقله إلى سجن القاهرة تحقيق للمحبوسين احتياطيًا، في سجون طرة بالمعادي، يوم الـ29 من ديسمبر 2016.

وتابعت في حديثها أنه خلال الفترة الأولى من حبس والدها لم يكونوا على علم بمكانه، ثم أعُلن حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، في القضية رقم 1152 لسنة 2016 حصر أمن دولة، مؤكدة أن التهم التي وُجهت إليه في بادئ الأمر أنه كان يقوم بنشر أخبار وبيانات كاذبة عن الأوضاع المصرية، ويصطنع مشاهد وتقارير كاذبة ويهدد الأمن القومي.

ولفتت “الزهراء” إلى أن قناة صدى البلد، الفضائية المصرية الخاصة، نشرت في ذلك الوقت مقطع فيديو له بعنوان “اعترافات الإرهابي محمود حسين مسئول مراسلي قناة الجزيرة”. إلا أنها أنكرت ذلك مؤكدة أن والدها في ذلك الفيديو كان يتحدث عن فترة شغله في القاهرة وأن المكتب الذي يعمل فيه مرخص، الأمر الذي يعني أنه فيديو معلوماتي، متعجبة خلال حديثها من وصف والدها بأنه عميل وإرهابي وصانع فيلم العساكر.

تُهم رسمية

وبالنسبة للتهم الرسمية الموجهة إلى أبيها والمثبتة في التحقيقات، أكدت أن المحامين غير مسموح لهم بالإطلاع عليها إلا أنه عندما يتم عرضه أمام القاضي فيخبره بأن التهم الموجهة إليه نشر أخبار كاذبة الهدف منها تهديد أمن الوطن.

وأكدت الزهراء حسين أن والدها لم يُحال إلى المحاكمة إلا الآن، وأنه لم يتم التحقيق معه منذ ديسمبر 2016، مما يعني حبسه دون تحقيقات، موضحة أنه قد مر على أبيها 20 تجديدًا في الحبس الاحتياطي، ففي البداية كانت التجديدات 15 يومًا، ثم بعد ذلك 45 يومًا.

دور نقابة الصحفيين

وفي إطار الحديث عن دور نقابة الصحفيين تجاه الصحفي محمود حسين، قالت ابنته “الزهراء” إن النقابة لم تعترف بوالدها كأحد أعضائها، مؤكدة أنه عند ذهابها للنقابة لتقديم مذكرات للدفاع عنه، فإن نقابة الصحفيين رفضت ذلك لأنه ليس عضوًا لديها كما أنها لم تأخذ أي موقف رسمي تجاهه، في حين أن بعض أعضاء النقابة تعاونوا مع قضية أبيها بشكل فردي.

دور قناة الجزيرة

وأوضحت ابنة محمود حسين أنه منذ قيام قوات الأمن بإلقاء القبض على أبيها، فإن قناة الجزيرة لم تترك والدها، فضلًا عن قيامها بتوكيل فريق من المحامين لدعم القضية، مؤكدة أن القناة لم تقصر في تقديم الدعم لأسرتها أو لوالدها.

فترة الحبس

قالت الزهراء محمود، إن أول فترة حبس مرت على والدها كانت حبسًا انفراديًا، لمدة 100 يوم، وبتاريخ 13 يونيو 2017 تعرض أبيها لكسر ذراعه الأيسر، وقد التأم العظم بشكل خاطئ ما يستدعي خضوعه لعملية جراحية إلا أنه لم يجريها بعد، موضحة أنه يعاني حاليًا من رعشة بذراعه، ولا يحركه بشكل جيد، لكنه يعالجه بالمسكنات.

وتابعت أنه وفقًا للقانون فإن أي سجين يُعرض على النيابة بعد مرور 45 يومًا فإنه يجب إخلاء سبيله، مؤكدة أن والدها تم عرضه ثلاث مرات بعد انقضاء المدة، وهو ما يراه المحامون بأن حبسه الاحتياطي أصبح باطلًا -حسب قولها-، كما أنها تروي أنه لم يتم الالتفات لمثل هذه النقطة.

وفيما يتعلق بمدة الحبس، قالت إن والدها قد أمضى عامين، وهي أقصى مدة للحبس الاحتياطي، ومن ثمَّ فإنها تؤكد أنه يجب إخلاء سبيله.

زيارات أهلية

أكدت الزهراء حسين، أنه لم تكن هناك زيارات أهلية في بداية فترة الحبس لمدة 21 يومًأ، ثم فُتح لهم باب الزيارة بعد ذلك بشكل أسبوعي، لكنهم كانوا يُعانون الانتظار حوالي ثمان أو ست ساعات حتى يسمح لهم برؤية والدهم.

وأوضحت أن زيارتهم كانت تتم بشكل منفصل في حضور بعض الأفراد من السجن، وذلك لمدة عام كامل، وفي السنة التالية أكدت أن زيارتهم كانت بصحبة الزيارات العادية للأهالي.

ممنوع

وتابعت ابنة محمود حسين في حديثها أنه في بادئ الأمر لم يكن مسموحًا بدخول الأدوية، وكذلك الكتب، في حين أنهم كانوا يسمحون بوجبة طعام ليوم واحد، وملابس محددة، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي، سمحوا لهم بدخول أدوية محددة ويستدعي ذلك بعض الوقت لخضوعها للفحص، وبعض الأشياء الأخرى التي يسمحون بها، معتبرة أن الوضع الحالي أفضل مما سبق.

قبول الاستئناف وإلغاء التدابير الاحترازية

قالت “الزهراء محمود حسين” في حديثها لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، إن الدائرة 29 إرهاب، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، يوم الثلاثاء الموافق 19 فبراير 2019، قررت إخلاء سبيل والدها محمود حسين، صحفي الجزيرة، بتدابير احترازية.

وفي سياق متصل قال الأستاذ “طاهر أبو النصر” محامي الصحفي في حديثه لـ”المؤسسة”، إن النيابة استأنفت ذلك القرار لتحدد جلسة 20 فبراير 2019 لنظر القضية، وقد قررت الدائرة “11” المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة قبول استئناف النيابة وإلغاء التدابير الاحترازية وتجديد حبس الصحفي 45 يومًا على ذمة التحقيقات.

وجرى التجديد مرة أخرى لـ”جمعة” في 9 أبريل 2019 لمدة 45 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية، ليكون صحفي الجزيرة على موعد جديد ﻻنتظار جلسة 21 مايو الجاري بأمل إخلاء سبيله.